قذر جداً


الذين مروا بمنعطف الحب وحدهم من يتنفسون بصعوبة الآن ، ووحدهم من يتحسسون الطعنات بحسرة وترقب لما سيحدث لي لاحقاً.
ووحدهم أيضاً من يعنيني أن أثبت لهم أن الله لم يستجب لهم حتى الآن ؛ليس لأني أقرب إليه منهم! بل لأن الحياة ما كانت لتستقيم لولانا ، نحن العابثين بأشيائهم الجميلة جداً.
ما يحدث قدرنا الذي لا نملك أمامه أي شيء ، وهو أقرب إلى القصص التي لا تحدث دائماً والتي نخشى أن لا يصدقنا أحد إذا اعترفنا بارتكابها ، ونحتفظ بها لأنفسنا وللحظات التوحد التي نكون فيها أشقياء جداً وفي بؤس لا يعرفه إلا نحن ، نمارس قسوتنا لا لشيء سوى أننا نحتاج إلى أن نقتات على أي شيء يفي بالحب أو بالقليل منه ، الحب الذي لم نتعاطاه يوماً ولم
نعرفه يوما
ً.


نتعاطى أي شيء حتى لو كان مجرد وهم أو حدث عابر اختلط بالأماني . وغالباً ما يحدث لنا نحن العابثين في الحب ؛ هو مأساة اعتدنا أن نخلفها ونمضي غير عابئين بمن يبكي أو بمن اختنق ألماً وفضل الانزواء وتحسس أثارنا القذرة .


أنا فارغ من أي حب في حقيقة الأمر، إذ يمكن لموعد غير مخطط وعابر أن يأخذني معه! وأنا متأهب دائماً لصدف لا تحدث إلا مرة واحدة ، تعلمت أن لا فائدة من انتظار لا يحمل ملامح محددة ودقيقة جداً. أعبث بأشياء جميلة وأقطف في طريقي الكثير من العطر وأبدده في سماء فارغة جداً واسمع صراخ العشاق خلفي: " لو أبقيت لنا عطراً !" .
لا أحد يعرف أني في حقيقة الأمر أعاني من هذا العبث في أقدارهم لكني لازلت أعبث بأشيائهم الجميلة، وأقوم بدور العاشق القذر الذي اعتاد أن يرحل مخلفاً حريق من مشاعر وبقايا قلوب استحالت إلى رماد.
"بقلب أسود " بالضبط أنا كذلك ، أشد سواداً من عدو يترصد بك وأشد سواداً من الأشياء السوداء نفسها ، لم أعرف الصدق يوماً ولم أحفل بكم البياض المنتشر حولي ، فقط أحيله إلى رماد وأمضي ،كأن لا شيء حدث ، هكذا أعتدت أن ارحل.


ما يؤلمني أن لا أحد يعرف ملامحي! وأني أنجح دائماً في إخفاءها بسهولة وأن لا أحد يحذر مني! بل على العكس تأتي الفراشات إلى قدرها محمله بالتمني والكثير من خرافات العشق ، حتى العاشقين تصعقني بلادتهم أمامي ، أحقد عليهم وعلى انكسارهم ،ماذا تريد امرأة من رجل لا يجيد إلا حياكة القصائد؟ أو رجلاً لا يعرف إلا أن يشاركها البكاء ، نحن نعرف أشياء أفضل من قصائدهم وبكائهم وبالتأكيد لم يتذوقوا لذة أن تٌبكي امرأة ولا تشاركها هذا السفه ، أغبياء ولا نريد أن يلقوا باللوم علينا لمجرد أننا أجدنا اقتناص شيء جميل جداً لم نكن لنتركه لهم وحدهم .
أنا لا أكذب دائماً ؛ إذ قلت لإحداهن ذات مره " أنا فارغ إلا من قلب أسود " ولم تفهم أني يمكن أن أفعل ما يشير إليه قلبي . كانت ثملة ومغيبة " أنت عفوي جداً وصادق جداً !" . لا أدري ماذا حدث لها ، لكني متأكد أني في ذلك اليوم تركتها تبكي . كان الفرق معها أني رحلت محملاً بلذة مختلفة وكنت أردد بملامح شيطانية : لو صدقتني !وحتماً لم أكن أتمنى ذلك .
خطأ ما يتكرر دائماً وحقيقة واحدة هي التي أتعاطها لأرحل دون ألم قد يحدث لي ، الحقيقة أنني في كل مره أصرح بسوادي ولا أحد يصدق!.


في كل لقاء جديد أترقب تلك الغيمة الخبيثة التي تظلنا ، أشير لضحيتي أن هذه الغيمة تود أن تحكي ، وبغباء ترفض أن تنصت لها وبخبث أنظر للغيمة قبل أن ترحل محملة بفشلها! كالعادة أنتصر دائماً على مفاجآت القدر وفي كل موعد أهتم بالتفاصيل المحيطة أكثر من اهتمامي بترقب الضحية، عمداً أضبط ساعتي على التاسعة تماماً حتى ابرر تأخري عن موعدنا الأول ، أهتم بتفاصيل المكان بشكل دقيق جداً ، أذهب إلى النادل لأصافحه حتى لا يصافحني أمامها وحتى لا يبادرني بجملة اللباقة اللعينة التي أخشاها دائماً ، إذ كاد في أحد المرات أن يفسد كل شيء لأنه قرر أن يأتي لنا بنفس الطبق الـ " حبته المدام البارح" ، يالله لو كانت منصته كنت لأكون أنا الضحية فعلاً .
ولأني قذر جداً فإن اهتمامي في حقيقة الأمر يتجاوز ذلك إلى اختيار الكرسي الذي لا يتعرف على أحد من العابرين به ، لكنه لحجم المأساة يحفظ مروري القذر ، أتنقل بين زوايا المكان الواحد لأشعر بنشوة السيطرة على هذا المكان ولأتباهى بأمكنة المعارك التي دخلتها وخرجت منتصراً ، هنا دعد وهناك هند ودلال التي كاد مأزق الأسماء أن يهزمني أمامها ،
لم أحدثكم عن مأزق الأسماء ،ما حدث مع دلال أن هند تمثلت أمامي في لحظة تجلي  كادت أن تضعني في مرمى الأسئلة.
اختار لها أن تجلس في مواجهة مع الجدار الذي خلفي ، وأتأملها وأتأمل أمكنة المعارك خلفها ، شعور عظيم لا يمكن لي أن أصفه كما يستحق ؛ لكنه يأسرني حد الهوس، انها اللحظة التي أشعر بها بشعور المنتصر وهو يقلب الجثث بقدمه في أرض معركة ستحفظ فيما بعد أن رجلاً مر وأنتصر .


قذر جداً في أخذ كل شيء ، فقط أقرر أني أريده ثم أغلف حاجتي له بالكذب وأمرره بإتقان إليها ، وبصفاقة لا تهتم بما يخفي الغلاف الجميل والمنتقى بدقة متناهية ، كلهن لا يتمتعن بلباقة الهدايا إذ يأخذهن الغلاف الـ " مجنون " ؛ عن معرفة ما يحمل لهن من شقاء ، وعندما يقررن فتحه لاحقاً أكون في نفس المكان أضبط اتجاه الكرسي الآخر.
لست سيئاً إلى هذا الحد لكن ثمالة العبث بأشياء الآخرين تفتك بي ، تتملكني رغبة هائلة في تهشيم المرايا وتمزيق الستائر وإشعال الحرائق والصراخ وصداع مؤلم جداً يفتك بي وأنا أشاهد عاشق مع أحدهن ، أتحول إلى شخص مخيف أغلق الغرفة وأهرب إلى الظلمة في محاولة للهرب من هذا العشق الذي أستحقه أنا واحتاجه أكثر منهما ، هذا بالضبط ما يؤلمني جداً .
أنا مريض جداً ولا أملك أمامكم إلا أن اقر بألمي،
في الحقيقة من يهتم أنا قذر جداً ولا استحق تعاطفكم !*


*ساكن ..جسد الثقافة 31 - 05 - 2006, 08:41 PM